ها هو يوم الشهيد يعود لكي يذكرنا بالحقيقة الأساسية:
وما العيشُ، لا عشتُ إن لم أكنْ مَخُوفَ الجَنابِ حَرامَ الحِمى*
فأنت حين تدافع عن دينك ووطنك وشعبك وعرضك إنما تقوم بالواجب الشرعي والوطني، وحين تتوج ذلك كله بالشهادة فإنما تقدّم أعلى مراتب التضحية والبسالة والرجولة لكي تظل رايتك، راية الحق والعز والإيمان، خفاقة عالية فوق رؤوس الجند وعلى صفحات القلوب، ومع تكبيرات الأذان، وزقزقات العصافير، وهمهمات الألسن وهي تعزف السلام الوطني.
أنت؛ أيها الشهيد البطل الإماراتي من آل زايد، أياً كان اسمك الحقيقي وأياً كان اسمُ عائلتك، تكتبُ باستشهادك بمداد الفخر في سجل الخالدين أن «عيال زايد» كلهم اليوم ينتسبون للأب المؤسس، لأنه الأب الذي ربّى والذي بنى والذي غرس في النفوس والقلوب معنى الفداء والجندية والبطولة، وحين تخفق نفوس أهليك اليوم بعبارة «آل زايد» فلكي تؤكد معه، رحمه الله، ومع قادة الدولة الميامين أننا اليوم في يوم الشهيد كلنا عائلة واحدة ننتسب لهذا البيت المتوحد، وهذا القائد المتفرد.
وأنت؛ أيها الشهيد البطل حين دافعت عن وطنك، بغض النظر عن مكان استشهادك، وبذلت الأحمر القاني لتروي به شجرة السؤدد الإماراتية، ولتدفع عن أهلك وشعبك وقيادتك شرور العاديات، إنما كنت تحفر اسمك في القلوب، وما ينقش في القلوب يبقى طويلاً طويلاً أكثر مما ينقش في الصخور. وإذا كان الناس يتفاخرون بمداد الذهب فهنيئاً لك ذهب الذهب وخلاصة العسجد وعطر الدنيا والآخرة، لأن اسمك خطته على القلوب نبضاتها، وزينته على أذينها وبطينها بمداد الروح، وهل أغلى من الروح إلا من يبذلون الروح!
في يوم الشهيد الإماراتي، نقف أمام أضرحة الشهداء ونقرأ فاتحة الكتاب، وننظر حولنا لنرى كم أصبحوا عمالقة؛ هؤلاء الذين افتدوْنا وافتدوا دولتنا ومصالحها الاستراتيجية ودافعوا عن دين ووطن وشعب، وقدموا بكل جسارة ما لا يملك تقديمه إلا الرجال الرجال، الذين رباهم زايد، ومن بعد زايد، خليفة ومحمد بن راشد ومحمد بن زايد؛ ليوث الإمارات؛ أسودها ونخيلها ورسّامو لوحات مستقبلها وأعمدة البيت المتوحد.
ويا أنتم، يا أهل الشهداء ويا الجميلات الجميلات أمهاتهم: إذا كان الشهداء أكرم منا جميعاً، فأنتم أكرم من فينا، وأنتم الذين تعاليتم على ألم الفقد بتسامي التضحية وسمو الفداء ورفعة الموقف، وهل هنالك اليوم في هذه الدنيا من هي أجمل من أم الشهيد، وهي تقدم فلذة كبدها غالياً، عليها وعلينا جميعاً، في سبيل الله فداءً لوطن معشوق اسمه دولة الإمارات، وبدلاً من أن تبكي، تُبكينا وهي تزفّه لجنان الخلد، لكن؛